responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 369
مُتَكَلِّمًا لَمْ يَصْحَّ مِنْهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْعِجْلُ عَاجِزٌ عَنِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَلَمْ يَكُنْ إِلَهًا. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ إِلَهًا أَنْ يَكُونَ هَادِيًا إِلَى الصِّدْقِ وَالصَّوَابِ فَمَنْ كَانَ مُضِلًّا عَنْهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ إِلَهًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يُوجِبُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَيَهْدِيَ يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ إِلَهًا وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ إِثْبَاتُ ذَلِكَ كَنَفْيِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ إِلَهًا فَلَا فَائِدَةَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْطًا لِحُصُولِ الْإِلَهِيَّةِ فَيَلْزَمَ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْإِلَهِيَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِهِ حُصُولُ الْإِلَهِيَّةِ. الثَّانِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُكَلِّمَهُمْ وَعَلَى أَنْ يَهْدِيَهُمْ إِلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَهُوَ إِلَهٌ وَالْخَلْقُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْهِدَايَةِ إِنَّمَا يَقْدِرُونَ عَلَى وَصْفِ الْهِدَايَةِ فَأَمَّا عَلَى وَضْعِ الدَّلَائِلِ وَنَصْبِهَا فَلَا قَادِرَ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: وَكانُوا ظالِمِينَ أَيْ كَانُوا ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ حَيْثُ أَعْرَضُوا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاشْتَغَلُوا بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ. وَاللَّهُ اعلم.

[سورة الأعراف (7) : آية 149]
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149)
اعْلَمْ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ أَنَّهُ اشْتَدَّ نَدَمُهُمْ عَلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَجْهِ الَّذِي لِأَجْلِهِ حَسُنَتْ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ.
فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ سَقَطَ النَّدَمُ فِي أَيْدِيهِمْ، أَيْ فِي قُلُوبِهِمْ كَمَا يُقَالُ حَصَلَ فِي يَدِيهِ مَكْرُوهٌ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمُحَالِ حُصُولُ الْمَكْرُوهِ الْوَاقِعِ فِي الْيَدِ إِلَّا أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا عَلَى الْمَكْرُوهِ الْوَاقِعِ فِي الْقَلْبِ وَالنَّفْسِ كَوْنَهُ وَاقِعًا فِي الْيَدِ فَكَذَا هاهنا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : إِنَّمَا يُقَالُ لِمَنْ نَدِمَ سُقِطَ فِي يَدِهِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ مَنِ اشْتَدَّ نَدَمُهُ أَنْ يَعَضَّ يَدَهُ غَمًّا فَيَصِيرُ نَدَمُهُ مَسْقُوطًا فِيهَا لِأَنَّ فَاهُ قَدْ وَقَعَ فِيهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ السُّقُوطَ عِبَارَةٌ عَنْ نُزُولِ الشَّيْءِ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلُ وَلِهَذَا قَالُوا سَقَطَ الْمَطَرُ وَيُقَالُ:
سَقَطَ مِنْ يَدِكَ شَيْءٌ وَأَسْقَطَتِ الْمَرْأَةُ فَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى عَمَلٍ فَهُوَ إِنَّمَا يَقْدِمُ عَلَيْهِ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ خَيْرٌ وَصَوَابٌ وَأَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ يُورِثُهُ شَرَفًا وَرِفْعَةً فَإِذَا بَانَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ كَانَ بَاطِلًا فَاسِدًا فَكَأَنَّهُ قَدِ انْحَطَّ مِنَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَلِ وَسَقَطَ مِنْ فَوْقُ إِلَى تَحْتُ فَلِهَذَا السَّبَبِ يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَخْطَأَ: كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ سَقْطَةً شَبَّهُوا ذَلِكَ بِالسَّقْطَةِ عَلَى الْأَرْضِ فَثَبَتَ أَنَّ إِطْلَاقَ لَفْظِ السُّقُوطِ عَلَى الْحَالَةِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَ النَّدَمِ جَائِزٌ مُسْتَحْسَنٌ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ الْيَدِ؟ فَنَقُولُ: الْيَدُ هِيَ الْآلَةُ الَّتِي بِهَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْأَخْذِ وَالضَّبْطِ وَالْحِفْظِ فَالنَّادِمُ كَأَنَّهُ يَتَدَارَكُ الْحَالَةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا حَصَلَ لَهُ النَّدَمُ وَيَشْتَغِلُ بِتَلَافِيهَا فَكَأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ فِي يَدِ نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ ان بَعْدَ حُصُولِ ذَلِكَ النَّدَمِ اشْتَغَلَ بِالتَّدَارُكِ وَالتَّلَافِي.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: حَكَى الْوَاحِدِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ هَذَا مَأْخُوذٌ مِنَ السَّقِيطِ وَهُوَ مَا يَغْشَى الْأَرْضَ بِالْغَدَوَاتِ شِبْهَ الثَّلْجِ. يُقَالُ: مِنْهُ سَقَطَتِ الْأَرْضُ كَمَا يُقَالُ: مِنَ الثَّلْجِ ثَلَجَتِ الْأَرْضُ وَثُلِجْنَا أَيْ أَصَابَهَا الثَّلْجُ وَمَعْنَى سُقِطَ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 369
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست